بطاقات دعوية

احصائية الزوار

الاحصائيات
لهذا اليوم : 1079
بالامس : 1776
لهذا الأسبوع : 7605
لهذا الشهر : 36978
لهذه السنة : 263889
منذ البدء : 4187227
تاريخ بدء الإحصائيات : 12-10-2011

المتواجدين الآن

يتصفح الموقع حالياً  24
تفاصيل المتواجدين

ارسل فتوى عبر "الواتساب"

المادة

الاعتقادات تهون لأجلها التضحيات

397 | 29-07-2020

كثيرة تلك المعتقدات التي يعتقدها الناس في أمور دينهم ودنياهم، تلك المعتقدات النابعة عن تصورات قد تصوروها أو صُوِّرت لهم، ولا أمثِّل مسألة المعتقدات والتصورات والتصرفات إلا كالشجرة النابتة في تربة زراعية، فالتصورات هي الجذور التي تتغذى عليها الشجرة فتنتج المعتقدات التي هي السيقان والفروع، وبعدها تخرج التصرفات بورقها وثمارها.

وكلما كان تصور المرء لأي قضية تصوراً كاملاً كلما كان تسمكه بمعتقداته أعظم، وتضيحته من أجل هذه المعتقدات أشد.

إن بذل الغالي والنفيس من أجل فكرة راسخة أو هدف مُراد لا يكون إلا للأنفس التوَّاقة للنجاح، المصرَّة على البلوغ، المسترخصة في سبيل فكرتها كلَّ شيء.

وليس من العجب أن ترى أصحاب معتقدات باطلة يضحُّون من أجلها بكل شيء؛ إذ إنَّ هذه التضحية ناتجة عن تراكمات من التصورات غذَّت الإصرار بمادة الثبات حتى أصبحوا أيقونات يتذكرها الناس حين تأتي سيرةُ التضحية والثبات.

فمن هؤلاء من ضحى بنفسه من أجل دنيا يصيبها، ومنهم من ضحى بنفسه من أجل عشيقة يصلها، ومنهم من ضحى بماله من أجل شهرة أو حميةٍ أو عصبية, وما أكثر الأمثلة في ذلك، بل منهم من يصبر على التعذيب من أجل شهوة لا ترتقي لأن تكون عقيدة.

تأملوا معي أخي الكريم وأختي الفاضلة قصة الإمام أحمد رحمه الله مع أبي الهيثم رحمه الله:

عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه كان يقول : كنت كثيراً أسمع والدي أحمد بن حنبل يقول : رحم الله أبا الهيثم ، فقلت : من أبو الهيثم ؟

قال : أبو الهيثم الحداد لما مُدت يدي إلى العقاب وأُخرجت للسياط إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي : تعرفني ؟ قلـت : لا !

قال أنا أبو الهيثم العيَّار اللص الطرَّار ، مكتوب في ديوان امير المؤمنين أني ضُربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين[14].

مما لا يخفى على عارف بسيرة الإمام أحمد ما لاقاه في سبيل الثبات على معتقدٍ اعتقده لم يرَ بُدًّا من الثبات عليه وتحمُّل الأذى في سبيله، ومما أعانه على ذلك ما كان يراه من تصبُّر بعض أهل الباطل على الأذى في سبيل باطلهم ومنهم أبو الهيثم هذا رحمه الله[15].

إنَّ من أعظم ما يثبِّت المرء على الحق لا سيما أيام الفتن قراءة سير الثابتين، والاعتبار بقصص الصادقين، أولئك الثابتون رغم الألم، الثابتون رغم الأغلال والأصفاد، الثابتون رغم العذاب بل القتل.

وصدق الله إذ قال :( وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )(120) [هود/١٢٠].

صبر أهل الأخدود على التَّحريق بالنار ولم يرجعوا عن الإيمان

قال تعالى :( قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) [البروج/٤ ـ ٨].

يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: (( وهذا خبر عن قوم من الكفار عمدوا إلى مَنْ عندهم من المؤمنين بالله عزَّ وجلَّ فقهروهم، وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا عليهم، فحفروا لهم في الأرض أخدودًا، وأججوا فيه نارًا، وأعدوا لها وقودًا يسعرونها به، ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم فقذفوهم فيها)).([16])

ومثل هذا ما جاء في صحيح مسلم رحمه الله في قصة الساحر والراهب والغلام التي تضرب أروع الأمثلة في الثبات على الحق، وأنَّ المعتقدات تحتاج فعلاً إلى تضحياتـ فلتراجع في موضعها([17]).

ماشطة ابنة فرعون

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ : «يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ ؟»، فَقَالَ : «هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا»، قَالَ : قُلْتُ : «وَمَا شَأْنُهَا ؟»، قَالَ : «بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتْ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ : «بِسْمِ اللَّهِ»، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ : «أَبِي ؟»، قَالَتْ : «لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ»، قَالَتْ : «أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ ؟»، قَالَتْ : «نَعَمْ»، فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا، فَقَالَ : «يَا فُلَانَةُ، وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي ؟!»، قَالَتْ : «نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ»، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ : «إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً»، قَالَ : «وَمَا حَاجَتُكِ ؟»، قَالَتْ : «أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا»، قَالَ : «ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ»، قَالَ : فَأَمَرَ بِأَوْلَادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا، إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ : «يَا أُمَّهْ، اقْتَحِمِي؛ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ»، فَاقْتَحَمَتْ»([18]).

ماهذا الثبات أخوتي؟!

ما هذا الجمال أحبابي؟!

ما هذا الإصرار على المعتقد؟!

أولادها يرمون في الزيت المغلي!، فلذات أكبادها يذوبون أما عينيها!

وهي أم، أتدرون معنى لفظة أم؟!

إنها التضحية في سبيل العقيدة، إنها التضحية التي تُنبئك عن صدقٍ امتزج بلحمها وعظمها، إنها باختصار الاعتقادات التي من أجلها تهون كل التضحيات.

قوم يُنشروا بالمناشير ويمشَّطون بأمشاط الحديد في سبيل المعتقد

في «صحيح البخاري»([19]) عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ : «أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ؟!، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا ؟!»، قَالَ : «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ».

أغمض عينيك قليلاً، تصوَّر المشهد الذي يخبرنا عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ثمَّ عبِّر عن ذلك بكلمة أو جملةٍ إن استطعت.

إنها عشق العقيدة، إنه الثبات على المبادئ، إنها التضحية التي أدندن حولها في رقمي هذا.

إني حين أكتب عن التضحية في سبيل المعتقد، فإني أكتب عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وابن عوف وابن وقاص والمعاذين ومصعب وخالد وعمار وأبيه وسمية وجميع الرعيل الأول، الذين أرخصوا كلَّ شيء في سبيل عقيدتهم :

يا سائلي عن مصعب سيجيب عن سؤلٍ علم
ترك الغنى و لنفســه أغنى من البحر الخضم
من أجل عشق عقيدة و بنفصف ثوب قد ختم
أوما رأيتم خالداً ذلت لصارمه العجم
أو طارقاً يا سائلي عن سعد حطام الصنم
قلي بربك يا أخي ممن قريش تنتقــــــم
هذي سمية مزقت و بحربة الباغي الأذ..
هزئت بفرعون الذي قد حار و استعصى الكلم
ما أعجب العشق الذي جعل المعذب يبتســـــم
يا صاح هذا بلال من عرفته رمضـــاء الحرم
بالسوط يضرب بالقفا و الصخر يا صحبي صمم
صبر الهزبر لأنه عشق الهدى و البيع تم
هذي مصارع عشقهم قرباتهــــــم لله دم
يا أمتي ذهب اللذون بعشقهم سادوا الأمم
عشقوا العقيده أرخصوا روحاً و نفسا لم تضـــم[20]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ»([21]).

وعن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قال : قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : «أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»، قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : «أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ؟!»([22]).

([1]) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب «النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود»، رقم (479) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

([2]) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب «ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده»، رقم (873)، والنسائي، كتاب التطبيق، باب «نوع آخر من الذكر في الركوه»، (2/191)، وأحمد (6/24) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.قال الألباني : «إسناده صحيح». «صحيح أبي داود» (4/27) رقم (817)

([3]) «مدارج السالكين» (2/495).

([4]) «التفسير الكبير» (16/32).

([5]) «تعظيم قدر الصلاة» للمروزي (2/826).

[6] - أهل الثناء والمجد ، ظافر حسن آل جبعان، ص ( 110 ) ، كتاب اليكتروني

[7] - انظر : أسلاف النمل، بحث قام به الباحث شولتز تي أر ، ضمن وقائع الأكاديمية العلمية للعلوم، ومعلومات البحث كالتالي: chultz TR (2000). "In search of ant ancestors". Proceedings of the National Academy of Sciences.97(26)14028–14029. Bibcode:2000PNAS...9714028S. PMC 34089Freely accessible. PMID 11106367. doi:10.1073/pnas.011513798.

[8] - انظر: المرجع السابق و بحث بعوان ( التمثيل العصبي ومعالجة إشارات التواصل الحسي الكيميائي في دماغ النملة )= Neuronal representation and processing of chemosensory communication signals in the ant brain, Universitätsbund Würzburg

([9]) «الفوائد» (ص 187).

[10] - الأنعام 91، والحج 74، الزمر 67.

([11]) «مجموع الفتاوى» (13/160، 161).

([12]) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب «ﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ »، رقم (4811)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم (2786).

([13]) «مجموع الفتاوى» (13/162).

[14] - مناقب الإمام أحمد (450 – 451 ) ، صفة الصفوة ( 1 / 485).

[15] - هذا إن صحَّت الرواية .

([16]) «تفسير ابن كثير» (4/493).

([17]) أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب «قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام»، رقم (3005) من حديث صهيب الرومي رضي الله عنه، ولم أذكرها لطولها .

([18]) أخرجه أحمد (1/309) من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

واختلف أهل العلم في سماع حماد بن سلمة من عطاء بن السائب، هل كان قبل اختلاط عطاء وتغير حفظه أم بعد وقوع الاختلاط.

قال الحاكم : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه». «المستدرك» (2/538)
وقال ابن كثير : «إسناد لا بأس به، ولم يخرجوه». «تفسير القرآن» (3/16)
وحسَّنَهُ الذهبي في «العلو» رقم (93).

([19]) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب «علامات النبوة في الإسلام»، رقم (3612).

[20] - باختصار من قصيدة للدكتور عبدالرحمن العشماوي تحتاج توثيق.

([21]) أخرجه الترمذي، كتاب الفتن، باب (73)، رقم (2260).

صحَّحَه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2/645) رقم (957).

([22]) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب «سورة المؤمن»، رقم (4815).

روابط ذات صلة

المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي
 موقع ينابيع الدعوة

تصميم وتطوير كنون